يكثر الحديث عن زراعة الاسنان، ويسمع الناس الكثير من الكلام حول هذا الموضوع من وسائل الاعلام ومن بعضهم البعض، وكثير من هذه المعلومات غير دقيق او غير واقعي. تاليا اورد مجموعة من المعلومات العامة عن موضوع زراعة الاسنان: ما هي، اثرها على المعالجات المقدمة للمرضى، المواد المستعملة، الحالات التي لا يمكن اجراء الزراعة فيها، وكلفتها.
ماذا نعني بـ"زراعة الاسنان"؟
زراعة الاسنان تعني وضع جسم صناعي (معدني في الغالب) داخل عظم الفك مباشرة لنقوم بعد ذلك بتحميل اسنان صناعية عليه. للتبسيط: تقوم الزرعة السنية مقام جذر السن الطبيعي ليلتصق به تاج صناعي يقوم مقام تاج السن الطبيعي. وبالامكان تعويض فقدان سن أو ضرس واحدة مفقودة، أو مجموعة اسنان أو أضراس مفقودة، أو فقدان جميع الاسنان بواسطة الزرعات السنية التي تحمل تيجان أو جسور أو أطقم كاملة ثابتة.
زراعة الاسنان تطور هام جدا بالنسبة للمرضى:
يقال ان تطور ما يسمى بزراعة الاسنان قد أحدث ثورة في عالم التطبيقات الطبية الفموية والسنية، وهذا كلام صحيح الى حد بعيد. فقبل زراعة الاسنان، كان الخيار الوحيد امام مريض لا يملك اسنانا خلفية، او لا يملك اسنانا بالمرة، هو الاطقم الجزئية او الكاملة المتحركة، وكثير من الناس لا يستسيغون هذا النوع من التعويضات، وهم على حق لان الاطقم المتحركة لا توفر ثباتا مرضيا الا في حالات قليلة، اضافة الى ان الاطقم المتحركة لها تأثيرات ضارة نسبيا على عظم الفك وعلى الاسنان الاخرى الموجودة داخل الفم لانها تنقل عبء المضغ الواقع عليها الى الاسنان الاخرى او الى عظم الفك او كليهما.
هنا جاءت زراعة الاسنان لتوفر لهؤلاء المرضى فرصة الحصول على تعويض ثابت، لا يتحرك اثناء الحديث او المضغ، اضافة الى انه يحافظ على العظم ويحميه، كما يحافظ على الاسنان الاخرى.
اضافة الى ذلك، وفرت زراعة الاسنان بديلا افضل من الجسور التقليدية الثابتة، ففي حين كان الاجراء التقليدي في الجسور الثابتة هو برد وتحضير الاسنان المحاذية للاسنان المفقودة والمراد تعويضها ومن ثم تركيب جسر محمول على هذه تلك الاسنان، وبالتالي خسارة جزء كبير من انسجة السن التي غالبا ما تكون سليمة، جاءت الزراعة لتوفر برد وتحضير الاسنان المحاذية للاسنان المفقودة من خلال وضغ الغرسات السنية داخل عظم الفك مكان الاسنان المفقودة ومن ثم التركيب مباشرة على الزرعات، فنحافظ بذلك على الاسنان السليمة المحاذية للفراغ وانسجتها السليمة من اي تحضير او برد.
لهذا كله، توفر زراعة الاسنان افضل الطرق لتعويض الاسنان المفقودة باسنان صناعية ثابتة دون الاضرار بانسجة الفم الاخرى (العظم واللثة) وبقية الاسنان.
المواد المستعملة في زراعة الاسنان ومدى ملائمتها للانسان:
الغرسات السنية تأتي على شكل براغي او صفائح مصنوعة من معدن التايتانيوم او سبائكه، وتكون معقمة باشعة غاما وبشكل مزدوج في العادة، ومعدن التايتانيوم (ضمن معادن أخرى كثيرة) يستعمل في جسم الانسان منذ زمن طويل لمعالجة الكسور وفي المفاصل الصناعية وغيرها، وهو آمن تماما، بل ان عظم الانسان يحب هذا المعدن ويلتصق به ولهذا يستعمل تحديدا في الغرسات الفموية حيث يمكنه من خلال عملية التداخل العظمي فيه، ان يتحمل قوة المضغ والاطباق التي تقع عليه.
هل من الممكن ان يرفض الجسم الزرعة السنية؟
زراعة الاسنان لا تشبه زراعة الاعضاء الحية مثل الكلى. في حالات زراعة الاعضاء والانسجة الحية فان الجسم يتصرف بطريقة مختلفة من خلال تفاعلات مناعية وتشكل اجسام مناعية ضدها في بعض الحالات، مما قد يتطلب اعطاء ادوية معينة تثبط هذه الآثار المناعية وتعمل على عدم رفض الجسم لمثل هذه الاعضاء.
الزرعات السنية كما اوضحنا سابقة هي مواد غير حية (معادن)، ولا يقوم الجسم باحداث تفاعلات مناعية لمواجهتها شرط ان يتم الالتزام بمعايير التعقيم الخاصة بالزراعة. اما احتمال ان تحدث المعادن المستعملة لصناعة الغرسات السنية ردود فعل تحسسية في الجسم فهو احتمال ضئيل جدا يقارب الصفر، ولا يتم اعتباره اساسا تقييميا عند المرضى المرشحين لاجراء الزراعة.
الحالات التي نمتنع فيها عن اجراء زراعة الاسنان:
نادرة هي تلك الحالات التي نمتنع فيها عن اجراء زراعة الاسنان للمرضى، منها على سبيل المثال وجود مرض السكري غير المتحكم به، او ان يكون المريض مدخنا شرها ومهملا بشدة بصحة الفم والاسنان، او انعدام وجود كتلة عظمية كافية لاجراء الزراعة (رغم ان هذه الاخيرة بالامكان تجاوزها اليوم من خلال تطبيق الطعوم العظمية المختلفة).
اما في حالات السكري المتحكم به، وامراض القلب عند مريض مستقر، وغيرها، فبالامكان اجراء جراحة زراعة الاسنان بعد اتخاذ احتياطات معينة وبالتعاون مع الطبيب الخاص بالمريض ان تطلب الامر ذلك.
يقال ان تكلفة زراعة الاسنان عالية...
كلفة زراعة الاسنان عالية اذا قاسها المريض على المدى القصير، فهي اعلى من التعويضات الثابتة والمتحركة، اما اذا قاس المريض الكلفة على المدى الطويل، فهو بالتأكيد سيوفر مبالغ كثيرة لانه بالزراعة لا يضر بالاسنان الاخرى ويحافظ على النسيج العظمي، وبالتالي سيوفر على نفسه اعادة المعالجة المستقبلية وتعويض الاسنان التي ستتضر مستقبلا وما الى ذلك. الزراعة اعلى كلفة على المدى القصير، ولكنها بالتأكيد أقل كلفة وافضل مردودا على صحة المريض على المدى الطويل، هذا اضافة الى ان زراعة الاسنان توفر للمريض خيارات تعويضية ثابتة لا يمكن مقارنتها بالاشكال التعويضية الاخرى المتحركة على سبيل المثال، والراحة المتأتية عن التعويضات الثابتة بالنسبة للمريض لا تقدر بثمن.
كتبه الدكتور هشام البستاني