الوسواس القهري، هو مرض نفسي متفشي في كل المجتمعات وفي كافة الشرائح الاجتماعية. في ألمانيا وحدها يعاني مليون ونصف المليون مواطن من هذا المرض. وفي العالم العربي لا توجد إحصائيات تفيد بعدد المرضى لأنه لا يتم في أغلب الأحوال تشخيص المرض بالشكل الصحيح، ويعتقد الكثيرون أن ذلك يرجع إلى شخصية المريض والى عدم إعتبار العوارض مرضاً.
المصاب بالوسواس القهري عادة يتمنى لو أنه يتخلص من تلك العادات والأفعال المتكررة التي تثير سخرية البعض والتهكم والإحتجاج على أفعاله ، لكنه لا يستطيع تغيير ذلك لسبب بسيط وهو أن الوسواس القهري يعد مرضاً نفسياً حقيقياً، ويرتبط إرتباطاً مباشراً بإختلال كيميائي في المخ، ويقول العلماء أن إمكانية إنتقاله وراثياً كبيرة جداً .
عادات غريبة
أعراض المرض تبدو في كثرة التردد في فعل الشئ وعدم التأكد في كل مرة ان الشخص إنتهى منه. وعلى سبيل المثال عدم التأكد من إغلاق الموقد إذ تتكرر حالة الذهاب والتأكد من ذلك عدة مرات أو الإهتمام الشديد بالنظافة حيث يمكن أن يتكرر غسل اليدين لمرات عديدة ولمدة 15 دقيقة في كل مرة، كما أن مرضى آخرون يبالغون في إغلاق باب المنزل الخارجي ويترددون عليه أكثر من مرة للتأكد من إحكام إغلاقه، أو مراقبة الملابس والتأكد في كل مرة من مدى نظافتها أو ترتيب الحجرة وتحسس الأرض اكثر من مرة للتأكد من نظافتها، أو التأكد من عدم إتصال المكواة بالكهرباء.. وهكذا تبدو معاناة المريض هائلة في عدم السيطرة على تصرفاته مما يدفعه للاكتئاب الشديد.
والأسوأ أن مرضى الوسواس القهري لا يدركون ما يفعلون والذين يعرفون منهم ذلك يخجلون ويحاولون إخفاء عوارض المرض. وفي النهاية فإن الاستسلام للمرض يقود إلى الاكتئاب.
الشفاء ممكن!
هناك إختلاف في السلوك القهري لدى المرضى، عن السلوك العادي للأشخاص الطبيعيين، فالسلوك القهري يعوق الشخص عن تأدية طلباته في الحياة اليومية وفق تقارير الجمعية الألمانية للإضطراب القهري والوسواس التي تصدر تقاريرها بهذا الشأن.
وقبل عشرين سنة كان العلماء يعتقدون ن الوسواس القهري لا يمكن معالجته، غير أن العلم الحديث وأساليب المعالجة إستطاعت أن تصل بـ70 بالمائة من المرضى إلى تحسين مستواهم ومن ثم سلوكياتهم وإعادة الثقة إلى أنفسهم في مواجهة هذا المرض. وجميع هذه الطرق المتبعة كانت تتم عن طريق تعويد المرضى على حالة منزل غير مرتب علي سبيل المثال حتى يتولد لديهم الصبر على ذلك، فتزول حالة القلق والعصبية التي تلازمهم عند رؤية مثل هذه الأشياء.
واحدة من المشاكل التي تصادف أهل المريض هي كيفية معايشتهم لواقع المريض وهل يكون ذلك بالصبر والتعقل أم بالحزم والحسم ؟ ولكن المشكلة تبقى في أن محاولة العلاج بالحزم قد تفاقم المشكلة عند المريض، فليس هناك أسوأ من محاولة التصدي للفكرة في رأس المريض والجدال معها، فالمجادلة لا تجدي نفعاً، لأن مريض الوسواس يعتبر مجادلاً محنكاً، فما أن يحاول أهل المريض بطريقة ما فهم الوسواس إلا وإستجاب الوسواس بطريقة خبيثة وإزداد قوة.
وتشير الجمعية الألمانية للإضطراب القهري والوسواس الى عدم اليأس والقلق من شفاء المريض خاصة بعد تطوير العلاج النفسي والعقاقير الطبية المستخدمة، مع ضرورة إحاطة المريض بالصبر وعدم التضايق ومحاولة إشعاره بالأمان من قبل أفراد عائلته، لا سيما وأن العديد من المرضى يصابون بالخجل الشديد من جراء هذا المرض ويركنون إلى العزلة والإنشغال بعيداً عن الناس. إضافة إلى عدم البت في إتخاذ اي قرار خوفاً من الوقوع في الخطأ وتعرضهم للإنتقاد من الآخرين، ما يجعلهم عرضة لترك أعمالهم وحياتهم الإجتماعية.
العلاج بأقطاب كهربائية
يصف بعض الأطباء للمرض عقاقير دوائية على شكل أقراص تقوم بزيادة نسبة مادة السيروتونين في المخ بحيث يستعيد المخ نشاطه الطبيعي وتزول الأفكار السلبية، ويتميز هذا الدواء بأن عوارضه الجانبية طفيفة. وربما تكمن مشكلة تعاطي هذا النوع من الدواء في انه يحتاج إلى بضعة أسابيع حتى يبدأ بالتأثير الإيجابي
على المريض، وهذه هي المشكلة، وخصوصاً أن المريض على عجلة من أمره. فالذين يصف لهم الطبيب الدواء عليهم أن يستمروا في تناوله حتى الشفاء أو حتى يشير الطبيب بالتوقف عنه.
وفي المانيا يقوم أطباء بإستخدام طريقة مختلفة في العلاج، عن طريق زرع أقطاب كهربائية في الدماغ وإجراء صدمات كهربائية محسوبة في محاولة للتأثير على نشاط الدماغ وهي طريقة تصل نتائجها الى معدلات جيدة في الشفاء.