واعتبر الباحثون دوما أن تنوع الأصوات، وخصوصا الأصوات البشرية، يزيد من فرص التعلم، ولكن الغريب أنهم توصلوا إلى أن الأطفال يمكنهم التأثر من الحيوانات أيضا.
* عالم الأصوات
* وقد تناولت دراسة حديثة ومثيرة قام بها باحثون إيطاليون بالاشتراك مع باحثين أميركيين من جامعه نورث ويسترن (Northwestern University) في الولايات المتحدة، تأثير أصوات الحيوانات القريبة من الإنسان مثل القرد الشمبانزي على الأطفال الصغار وتنمية مهارات اللغة والتحدث لديهم. ويمكن أن تلقي استجابة الأطفال لهذه الأصوات، الضوء على العلاقة بين نمو وتطور اللغة في الإنسان والبيئة المحيطة به من الأصوات غير بشرية (non - human).
وكانت دراسات سابقة قد تناولت علاقة الأصوات الإنسانية بتنمية مهارات اللغة عند الأطفال حتى في سن مبكرة جدا قبل أن يستطيعوا التحدث. وقد وجدت الدراسة الجديدة أن تأثير الأصوات غير البشرية على الأطفال في عمر ثلاثة أو أربعة أشهر يكاد يماثل نفس تأثير الأصوات البشرية على الأطفال، ولكن هذا التأثير لا يستمر بعد الشهر السادس، حيث تجري الاستفادة في تنمية الإدراك اللغوي من الأصوات البشرية فقط.
من المعروف أن اللغة في الإنسان تعتبر الناقل الأساسي للأفكار والوسيلة الأساسية للتواصل. وتوثق النتائج الجديدة حقيقة أن استماع الرضع للأصوات البشرية وغير البشرية يدعم العملية المعرفية الأساسية لتصنيف الأشياء وأسمائها وكذلك الأشخاص المختلفون كل باسمه ويفرق بينهم تبعا لكل مجموعة. وعلى سبيل المثال يمكن للطفل في بداية تعلمه الكلام أن يطلق اسم حيوان معين مثل الكلب أو القط على الكثير من الحيوانات ولكنه لا يطلقه على اسم شخص مقرب. ويمكن بدلا من ذلك أن يستخدم نفس المرادف للكثير من الأشخاص مثل أن يطلق على جميع الرجال لفظ الخال أو العم وذلك تبعا للنمو الإدراكي.
* لغة مبكرة
* وعلاوة على ذلك فإن الأطفال الذين استجابوا لتأثير الأصوات غير البشرية في الشهرين الثالث والرابع لم يكونوا قد فعلوا ذلك فقط لمجرد تعقيد هذه الأصوات. ولكن للحقيقة المدهشة أن مخ الطفل في هذه السن المبكرة ونظرا للتنوع في مصادر الصوت (بشري وغير بشري) كان قادرا على فرز وتمييز الإشارات الصوتية البشرية وربطها بمعاني الكلمات.
وأشارت دكتورة سوزان هيسبوس (Susan Hespos) وهى طبيبة نفسية وإحدى المشاركات في البحث من جامعة نورث ويسترن إلى أن الحقيقة الأكثر إدهاشا في الأمر أنه حتى الأصوات غير المألوفة للأذن البشرية مثل أصوات القردة يكون لها نفس التأثير الذي تحدثه الأصوات البشرية في النمو الإدراكي في عمر ثلاثة أو أربعة أشهر من العمر وهو ما يشير بوضوح إلى أن مسألة نمو اللغة تتوقف على عدة عوامل أكثر من التعلم.
وهذه النتائج تشير إلى أن الصلة بين نشأة اللغة وتصنيف الأشياء إلى مجموعات مختلفة يبدأ في وقت مبكر جدا من عمر الإنسان (ثلاثة أو أربعة أشهر) ومستمد من عدة مكونات منها الأصوات البشرية وغير البشرية، والذي سرعان ما يتم ضبطه لتميز الألفاظ البشرية فقط في عمر الستة أشهر. وتفتح هذه النتائج مجالا واسعا للبحث العلمي حول الكثير من الأسئلة مثل هل يمكن الاستفادة من الأصوات غير البشرية وهل يقتصر الأمر على صوت القردة فقط أو أصوات حيوانات أخرى؟
* تمييز الأصوات
* في نفس السياق أشارت دراسة سابقة نشرت في منتصف العام الماضي في مجلة «التطور النفسي» (journal Developmental Psychology) قام بها باحثون من جامعة نيويورك، إلى أن آلية التحدث عند الأطفال أكثر تعقيدا مما يعتقد وتتدخل فيها عدة عوامل وأن الأطفال في عمر تسعة أشهر يكونون قادرين على التمييز بين الحديث والأصوات الأخرى، سواء بشرية أو غير بشرية، حيث إن من المتعارف عليه أن البالغ يمكن التمييز بسهولة بين الكلام والأصوات الأخرى مهما تباينت وتعددت مصادرها ولكن المفاجأة في إدراك الأطفال لهذا التمييز في هذه السن المبكرة.
وكان العلماء قد قاموا بإجراء تجربة على استجابة أطفال رضع في عمر تسعة أشهر لعدة تسجيلات صوتية للكلام البشري عن طريق صوت سيدة أو الكلام عن طريق ببغاء يرددون نفس الكلمات وكانت هذه الكلمات هي عربة كبيرة (لوري) ورقم (اثنان) وكلمة (يعامل) أو يعالج وكلمة (عشاء) وأيضا جرى الاستماع إلى أصوات أخرى، سواء بشرية مثل الصفير أو صوت من الحلق أو أصوات التغريد من الببغاء، كبديل عن الكلام.
وبما إن الأطفال لا يستطيعون التعبير عن تمييزهم بالكلام فقد قام العلماء باستخدام طريقه شهيرة وهي أن الطفل ينظر أكثر إلى الأشياء التي تلفت انتباهه وبملاحظة انطباع الأطفال عند سماع الكلام قاموا باقتران الصوت بصور تعرض في نفس الوقت لكل المراحل، سواء الكلام أو الأصوات الأخرى. ولاحظوا أن الأطفال ركزوا النظر فترة أطول عند سماع الكلام البشري أكثر من بقية الأصوات وكانت نفس النتيجة أيضا بالنسبة لحديث الببغاء مما يؤكد أن الأطفال لديهم القدرة على التمييز في هذه السن المبكرة.
المصدر/ اختصاصي طب الأطفال