جاء ابن جبل العرب إلي القاهرة بعد أن ترك وطنه الأول وهو دون الخامسة هو وأسرته وذاق مرارة العيش والحرمان . شقي كثيرا .. وكانت رفيقته في رحلة العذاب شقيقته أسمهان . عندما جاء فريد إلي القاهرة وبعد أن بلغ من العمر مايؤهله للوقوف علي المسارح حاول أن يثبت وجوده وإذا تعمقت داخل حياة فريد الاطرش لوجدت نقط تحول كثيرة كل نقطة كانت قفزة في طريق تثبيت فنه وكل نقطة في نفس الوقت كانت أساسا لبناء حياته ومشي فريد الاطرش في الطريق يثبت لونه وتعد خطواته بعد ذلك فتجدها علي الأقل 400 أغنية و20 أوبريتا وأكثر من 30 فيلما في السينما وإذا تتبعنا حياة الموسيقار فريد الاطرش لوجدناها كالآتي :
في سنة 1930 كان فريد يغني علي مسارح القاهرة ولم يكن بعد قد كون لنفسه الشخصية الفنية . كان كلما وقف في صالات الليل قلد محمد عبد الوهاب في أغنية كلنا نحب القمر وياجارة الوادي أو غني مواويل محمد العربي المشهورة . سنة 1934 اعترفت به الإذاعة الحكومية فكان يقدم وصلات عزف منفرد علي العود وكانت هذه فرصته فلحن لنفسه بحب من غير أمل وياريتني طير وبوجود فريد في الإذاعة سنة 1941 ارتفعت شهرته إلي ذروتها
.. وتم عرض أول فيلم له هو وشقيقته باسم انتصار الشباب ولحن فريد لهذا الفيلم 11 أغنية وأوبريت ليالي الأندلس . وهذه أول مرة تدخل فيها الأوبريت السينما وتم ذلك علي يد فريد الأطرش ابن جبل الدروز . وبدأ من يومها يسير في طريق لم يحد عنه وهو الموسيقي الشرقية وألمع مافي فريد هو أنه احتفظ بلونه الشرقي . ولماسألته -رحمه الله عن ذلك قال : ليه أنا آخذ من بلاد السند والهند وبلاد تركب الأفيال الموسيقي الشرقية بتاعتنا منجم مالوش أخر .. أنا جايز أطلع منه بألف طن غيري لوشاطر يقدر يطلع منه بمليون ومع ذلك فهو ملحن غير محصور.. استعمل في ألحانه مقاطع الموسيقي اللبنانية والسورية والتونسية والعراقية .. والطابع الحزين الذي يلون معظم أغاني فريد الأطرش بلون الحداد سر له تفاصيل .
إن حياة الاطرش كانت حزنا متصلا في طفولته يسمع أمه وهي تغني مواويل العتابا وأغاني الميجانا الشامية الحزينة وكان صوتها جميلا , كان نسخة غير مشهورة من صوت أسمهان وكبر الاطرش وعندما بلغ من العمر 11 عاما وجد عائلته يعولها.. وخاض مع أخته أسمهان معركة الفن وعندما وجدا مكانا لاقدامهما خطف القدر منه شقيقته في الكفاح . وقال فريد الأطرش رحمة الله عليه : الشرق غامض وحزين ومقامات الموسيقي الشرقية أغلبها تصور الأسي ونحن عندما نتألم نقول آه وعندما نطرب نطلق نفس الآه , لاأغني لتسمعني وتبكي العين ويسأل متسائل . وماذا قدم فريد الأطرش للموسيقي الشرقية .. فيجد في التوزيع وإدماج الموسيقي العربية الرد .
إن فريد هو أول من أدخل الكورال بالموسيقي الشرقية مع المحافظة علي اللون العربي الصميم وقدم ألحانا شعبية وألحانا كلاسيكية صميمة تعتبر ثروة فنية هائلة .. ومن روائعه أول همسة , الربيع , نجوم الليل , بنادي عليك وحكاية غرامي ..الخ وهو أول من أدخل المودرينزم التجديد والأغاني السريعة والخفيفة والشعبية وأدخل المقدمات الموسيقية والأغنية العاطفية الكبيرة والآن تملأ موسيقي الأطرش روسيا وأوروبا .. لقد عمل مقطوعات موسيقية خالدة تقف مع الموسيقي الغربية مثل زمردة وكهرمانة وسوق العبيد .. وغيرها هذه هي حياة الراحل فريد الاطرش الفنية , حياة البلبل الشاكي والنغم الباكي . وحيد كما يحب أن يسمي نفسه في أغلب أفلامه , هذا الفنان الذي أحببنا , لأنه فنان وإنسان يدين له الفن العربي بألحان طالما سمابها وخلق وهز القلوب في هذا الشرق وإننا لاننكر فضل فريد في وثبة الموسيقي العربية .
وإني لاأجد ماأقول عنه بعد الآن فأعماله هي التي سوف تتكلم وتحكي للأجيال القادمة عما بذله الأطرش في هذه المرحلة , رحلة الألم والعذاب والشقاء لكي يقدم للأمة العربية هذه الألحان والأنغام العربية الأصيلة رحم الله فريد.. الفنان الذي عاش للناس .. كان يعطي أكثر مما يأخذ .
ألبوم الصور: